8/12/2025
لا بأس أن تعيش مهمشاً، مغموراً، (وربما )سعيداً وهادئاً كما هو الحال الآن*
كان حسام يدرك، ولو متأخراً، أن السير على خط مستقيم في هذه الحياة أمرٌ عصيّ، وأنها كثيراً ما تدفعك إلى العزلة والوحدة، ربما لتجنّب أذى الآخرين… أو هذا ما كان يعتقده
لم تكن سنوات حسام السابقة — وقد تجاوز الرابعة والثلاثين — سنوات سعيدة أو هانئة في العراق. فمنذ طفولته عرف قسوة العيش، والفاقة، والحسرة على أشياء وألعاب تمنى أن تكون له، لكنها كانت بسبب فقر العائلة وظروفها القاسية
واستمر هذا الحال طوال الصبا والشباب؛ يعمل ويكدح ليقول لنفسه
"أنا هنا… أعيش كما يعيش الفقراء الكادحون"
ولم يفكر أبعد من ذلك، فلم يكن يطمح إلا بقدر ما يسمح به الحلم المتواضع
لم يكن مولعاً بالسياسة، لكنه كان يدرك أنه يقف على هامشها دائماً. ومع ذلك، كان الفقر ينسج له أحلاماً وردية تتجاوز الواقع؛ ليغذي بها ذلك العوز العميق في النفس، خصوصاً في مرحلة الشباب التي تبدأ فيها الطموحات الكبيرة
لكن كل شيء تبخر
فمجرد الحديث عن المساواة والعدالة والاشتراكية كان يفتح أبواب السجون ويعرض صاحبه لأبشع أصناف التعذيب. وكان الموت قريباً منه في كل مرة.
قال لنفسه يوماً "الذهاب إلى الموت باختيارك حماقة وسذاجة."
وكاد أن يُلدغ مرة أخرى، لكن الرعب الذي عاشه في السراديب منعه، خاصة حين طلبت منه السلطة "زيارتها" في القبور علََ الأموات يجدون له مكاناً هناك
"المرء لا يُلدغ من جحره مرتين."
بهذه الجملة أقنع حسام نفسه، فهرب، متخفياً، يعاتب الموت ويتحداه
"لم يحن وقتك بعد… ولن أمنحك متعة رؤية دموع أمي
أمي التي أنهكها البكاء حتى صارت على خديها آثار نهرين لا يجفان."
أنقذ حسام نفسه من موت محتوم، لكنه وقع في موت آخر؛ موت الهرب والتيه، موت لا يختاره الإنسان بل يُفرض عليه. ومع ذلك، بدا كمن سلّم أمره للموت، يترك له حرية اختيار الزمان والمكان.
ورغم كل شيء، كان في داخله بصيص ضوء يشده إلى بعض محطات حياته، لكن الخيبة والخذلان ظلّا يطويان سنواته الأربع والثلاثين… صفحة مفتوحة لا تُمحى، يتقاسمها الندم والحب معاً.
شاءت الصدفة وظروف التخبط أن يجد حسام حياة جديدة في السويد؛ حياة رأى فيها نفسه أخيراً، حياة وفرت له ما كان جزءاً من أحلامه السابقة. كان كل شيء يسير بهدوء وانسيابية، مع بعض المنغصات التي لم تكن تعيق طريقه كثيراً.
ربما أدرك هناك أن السنوات الأربع والثلاثين التي عاشها هنا كانت مجرد وقت إضافي
وقتٌ كان عليه أن يعيشه بحب وسلام مع الجميع
-----------------------------------------
الشاعر فارس مطر(1969-الموصل